سورة فاطر - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (فاطر)


        


{إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16)}
{إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ} أي إن يشأ سبحانه إذهابكم أيها الناس والاتيان بخلق جديد يذهبكم {وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} بعالم غير الناس لا تعرفونه هذا إذا كان الخطاب عاما أو إن يشأ يذهبكم أيها المشركون أو العرب ويأت بخلق جديد ليسوا على صفتكم بل مستمرون على طاعته وتوحيده، وهذا إذا كان الخطاب خاصًا، وتفسير الجديد بما سمعت مروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ويًا ما كان فالجلمة تقرير لاستغنائه عز وجل.


{وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17)}
{وَمَا ذلك} أي ما ذكر من إهابهم والاتبيان بخلق جديد {عَلَى الله بِعَزِيزٍ} أي يصعب فإن أمره تعالى إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون.
وإن كان في الناس تغليب الحاضر على الغائب وأولى العلم على غيرهم وكان الخطاب هنا على ذلك الطرز وقلنا إن الآية تشعر بأن ما يأتي به سبحانه من العالم أبدع أشكل بحسب الظاهر قول حجة الإسلام ليس في الإمكان أبدع مما كان. وأجيب بأن ذلك على فرض وقوعه داخل في حيز ما كان وهو مع هذا العالم كبعض أجزاء هذا العالم مع بعض أو بأن الأبدعية المشعور بها عنى والأبدعية في كلام حجة الإسلام عنى آخر فتدبر.


{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18)}
{وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ} أي لا تحمل نفس آثمة {وِزْرَ أخرى} أي اثم نفس أخرى بل تحمل كل نفس وزرها.
ولا منافاة بين هذا وقوله تعالى في سورة العنكبوت {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت: 13] فإنه في الضالين المضلين وهم يحملون اثم اضلالهم مع اثم ضلالهم وكل ذلك آثامهم ليس فيها شيء من آثام غيرهم، ولا ينافيه قوله سبحانه: {مَّعَ أَثْقَالِهِمْ} لأن المراد بأثقالهم ما كان باشرتهم وا معها ما كان بسوقهم وتسببهم فهو للمضلين من وجه وللآخرين من آخر {وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ} أي نفس أثقلتها الاوزار {إلى حِمْلِهَا} لالذي أثقلها ووزرها الذي بهضها ليحمل شيء منه ويخفف عنها، وقيل: أي إلى حمل حملها {لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَىْء} لم تجب بحمل شيء منه، والظاهر أن {وَلاَ تَزِرُ} إلخ نفى للحمل الاختياري تكرمًا من نفس الحامل ردًا لقول المضلين {وَلْنَحْمِلْ خطاياكم} [العنكبوت: 12] ويؤيده سبب النزول فقد روي أن الوليد بن المغيرة قال لقوم من المؤمنين اكفروا حمد صلى الله عليه وسلم وعلى وزركم فنزلت.
وهذا نفى للحمل بعد الطلب من الوازرة أعم من أن يكون اختيارًا أو جبرًا وإذا لم يجبر أحد على الحمل بعد الطلب والاستعانة علم عدم الجبر بدونه بالطريق الأولى فيعم النفي أقسام الحمل كلها، وكذا الحامل أعم من أن يكون وازرًا أم لا، وجاء العموم من عدم ذكر المدعو ظاهرًا، وقد يقال مع ذلك: إن في الأولى نفي حمل جميع الوزر بحيث يتعرى منه المحمول عنه، وفي الثاني نفي التخفيف فلا اتحاد بين مضموني الجملتين كما لا يخفى، وقيل في الفرق بينهما: إن أول نفي الحمل إجبارًا والثاني نفي له اختيارًا، وتعقب بأن المناسب على هذا ولا يوزر على وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها أحدًا لا يحمل منه شيئًا، وأيضًا حق نفي الاجبار أن يتعرض له بعد نفي الاختيار، وقيل: أن الجملة الأولى كما دلت على أن المثقل بالذنوب لا يحمل أحد من ذنوبه شيئًا دلت على عدله تعالى الكامل، والجملة الثانية دلت على أنه لا مستغاث من هول ذلك اليوم أيضًا وهما المقصودان من الآيتين فالفرق باعتبار ذلك، ولعل ما ذكرناه أولا أولى، وذكر بعض الأفاضل في الجملة الأولى ثلاثة أسئلة قال في الأخيرين منها: لم أر من تفطن لهما وقد أجاب عن كل، الأول أن عدم حمل الغير على الغير عام في النفس الآثمة وغير الآثمة فلم خص بالآثمة مع أن التصريح بالعموم أتم في العدل وأبلغ في البشارة وأخصر في اللفظ وذلك بأن يقال: ولا تحمل نفس حمل أخرى، وجوابه أن الكلام في أرباب الأوزار المعذبين لبيان أن عذابهم إنما هو بما اقترفوه من الأوزار لا بما اقترفه غيرهم، الثاني أن معنى وزر حمل الوزر لا مطلق الحلم على ما في النهاية الأثيرية حيث قال: يقال وزر يزر فهو وازر إذا حمل ما يثقل ظهره من الأشياء المثقلة ومن الذنوب فكيف صح ذكر وزر مع يزر وجوابه أنه من باب التجريد، الثالث أن {وازرة} يفهم من تزر كما يفهم ضارب من يضرب مثلا فأي فائدة في ذكره؟ وجوابه أنه إذا قيل ضرب ضارب زيدًا فالذي يستفاد من ضرب إنما هو ذات قام بها ضرب حدث من تعلق هذا الفعل بتلك الذات ولما عبر عن شيء بما فيه معنى الوصفية وعلق به معنى مصدري في صيغة فعل أو غيرها فهم منه في عرف اللغة أن ذلك الشيء موصوف بتلك الصفة حال تعلق ذلك المعنى به لا بسببه كما حققه بعض أجلة شراح الكشاف فيجب أن يكون معنى ضارب في المثال متصفًا بضرب سابق على تعلق ضرب به وكذا يقال في {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ} وهذه فائدة جليلة ويزيدها جلالة استفادة العموم إذا أورد اسم الفاعل نكرة في حيز نفي، وبذلك يسقط قول العلامة التفتازاني إن ذكر فاعل الفعل بلفظ اسم فاعله نكرة قليل الجدوى جدًا انتهى.
وأنت تعلم أنه من مجموع الجملتين يستفاد ما ذكره في السؤال الأول من العموم، وفي خصوص هاتين الجملتين وذكرهام معًا ما لا يخفى من الفائدة، وفي القاموس وزره كوعده وزرا بالكسر حمله، وفي الكشاف وزر الشيء إذا حمله، ونحوه في البحر، وعلى ذلك لا حاجة إلى التجريد فلا تغفل، وأصل الحمل ما كان على الظهر من ثقيل فاستعير للمعاني من الذنوب والآثام، وقرأ أبو السمال عن طلحة. وإبراهيم عن الكسائي {لاَّ تَحْمِلُ} بفتح التاء المثناة من فوق وكسر الميم وتقتضي هذه القراءة نصب شيء على أنه مفعول به لتحمل وفاعله ضمير عائد على مفعول تدعو المحذوف أي وإن تدع مثقلة نفسًا إلى حملها لم تحمل منه شيئًا {وَلَوْ كَانَ} أي المدعو المفهوم من الدعوة {ذَا قربى} ذا قرابة من الداعي، وقال ابن عطية: اسم كان ضمير الداعي أي ولو كان الداعي ذا قرابة من المدعو، والأول أحسن لأن الداعي هو المثقلة بعينه فيكون الظاهر عود الضمير عليه وتأنيثه.
وقول أبي حيان ذكر الضمير حملا على المعنى لأن قوله تعالى: {مُثْقَلَةٌ} لا يراد بها مؤنث المعنى فقط بل كل شخص فكأنه قيل وإن يدع شخص مثقل لا يخفى ما فيه. وقرئ ولو كان {ذُو قربى} بالرفع، وخرج على أن {كَانَ} ناقصة أيضًا و{ذُو قربى} اسمها والخبر محذوف أي ولو كان ذو قربى مدعوا، وجوز أن تكون تامة.
وتعقب بأنه لا يلتئم معها النظم الجليل لأن الجملة الشرطية كالتتميم والمبالغة في أن لا غياث أصلا فيقتضي أن يكون المعنى أن المثقلة إن دعت أحدًا إلى حملها لا يجيبها إلى ما دعته إليه ولو كان ذو القربى مدعوا، ولو قلنا إن المثقلة إن دعت أحدًا إلى حلمها لا يحمل مدعوها شيئًا ولو حضر ذو قربى لم يحسن ذلك الحسن، وملاحظة كون ذي القربى مدعوا بقرينة السياق أو تقدير فدعته كما فعل أبو حيان خلاف الظاهر فيخفى عليه أمر الانتظام {إِنَّمَا تُنذِرُ} إلخ استئناف مسوق لبيان من يتعظ بما ذكر أي إنما تنذر بهذه الإنذارات ونحوها {الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بالغيب} أي يخشونه تعالى غائبين عن عذابه سبحانه أو عن الناس في خلواتهم أو يخشون عذاب ربهم غائبًا عنهم فالجار والمجرور في موضع الحال من الفاعل أو من المفعول {والذين يُمَسّكُونَ} أي راعوها كما ينبغي وجعلوها منارًا منصوبًا وعلماف مرفوعًا أي إنما ينفع إنذارك وتحذيرك هؤلاء من قومك دون من عداهم من أهل التمرد والعناد، ونكتة اختلاف الفعلين تعلم مما مر في قوله تعالى: {الله الذى أَرْسَلَ الرياح فَتُثِيرُ سحابا} [فاطر: 9] فتذكر ما في العهد من قدم.
{وَمَن تزكى} تطهر من أدناس الأوزار والمعاصي بالتأثر من هذا الإنذارات {فَإِنَّمَا يتزكى لِنَفْسِهِ} لاقتصار نفعه عليها كما أن من تدنس بها لا يتدنس إلا عليها، والتزكي شامل للخشية وإقامة الصلاة فهذا تقرير وحث عليهما.
وقرأ العباس عن أبي عمرو {وَمِنْ يزكى فَإِنَّمَا يزكى} بالياء من تحت وشد الزاي فيهما وهما مضارعان أصلهما ومن يتزكى فإنما يتزكى فادغمت التاء في الزاي كما أدغمت في {يذكرون}، وقرى ابن مسعود. وطلحة {وَمِنْ أزكى} بادغام التاء في الزاي واجتلاب همزة الوصل في الابتداء، وطلحة أيضًا {فَإِنَّمَا تزكى} بادغام التاء في الزاي {وإلى الله المصير} لا إلى أحد غيره استقلالًا أو اشتراكًا فيجازيهم على تزكيهم أحسن الجزاء.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9